بما أنه تم الإتفاق على الجولة الآتية من أهداف التنمية، لا بد أن نتأكد من أن الشراكات مع القطاع الخاص مصممة لتوليد الأثر الأكبر لقضايا التنمية الإجتماعية التي تعتبر الأكثر أهمية.
اتبع العالم عبر 15 سنة الماضية طريقة لقياس تقدم تطوره على أساس أهداف تنمية الألفية التابعة للأمم المتحدة. وهي أهداف تستعد لأن يتم استبدالها بمجموعة جديدة من الأهداف – وهي أهداف التنمية المستدامة – خلال السنة القادمة. لماذا؟ لأننا فشلنا في انجاز المجموعة الأولى.
ولم نقترب حتى من فرصة الإنجاز في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.
أدى استمرار الفقر وشح المياه ونقص الغذاء إلى عرقلة التطورات التعليمية في منطقة "وانا"، في الوقت نفسه التي كانت الجهود المبذولة للمضي قدما نحو الإرتقاء بالمساواة الجندرية مخيبة للآمال لدرجة كبيرة. والأسوأ من ذلك، أنه منذ 2010 تسببت الفوضى الناتجة عن الربيع العربي إلى إبطاء وإيقاف أو حتى تراجع في التقدم الذي أنجز منذ عام 1990.
يطرح ذلك سؤالا: إن كنا عازمين على المضي نحو طريق مختلف، حتى ولو تضمن ذلك مجموعة من الأهداف المعدلة، مالذي يجعل الأمر مختلفا هذه المرة؟
تقدم العديد باقتراحات وأفكار مختلفة. فمثلا، اتخاذ الأهداف المحذوفة سابقا المرتبطة بالسلام و العدالة، وأخذ الإختلافات الإقليمية بعين الإعتبار بدلا من الإعتماد على نهج واحد فقط، والمحافظة على واقعية تلك الأهداف بدلا من كونها أهداف طموحة جدا. و هناك اقتراح آخر ينطوي على أن يلعب القطاع الخاص دورا أكبر و أن يكون مسائلا أمام مساهمته. بمعنى آخر، يجب على القطاع الخاص تنفيذ الوعود على أرض الواقع.
لو عدنا إلى فترة السبعينيات لاستطعنا تتبع الظهور العالمي لما يسمى بالمسؤولية الإجتماعية للشركاتCSR ، وهو القرار الواعي والاستراتيجي للأعمال في إنفاق الأموال "فعل الخير" في المجتمعات التي تعمل فيها. وقد تنوعت الأسباب للقيام بذلك: منها لإدارة المخاطر و بناء القدرة الإنتقادية العامة للممارسات التجارية و توظيف عيار معين من الموظفين و لتوفير الأموال وصنعها، ولاكتساب فرصة الوصول إلى أسواق مختلفة و لتمييز أنفسهم عن منافسيهم ولأنها بين الحين و الآخر ببساطة، أمر وجب فعله. تنطلق الفكرة أساساً من أن الأعمال وجدت أصلا لخدمة المجتمع، ولتدفع به خطوة إلى الأمام، فيكمن دورها الأساسي بتقديم أعمال جيدة كونها أعمال مستديمة و خلاقة لنتائج جيدة للمجتمع.
أما في منطقة "وانا" فقد كان تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR بطيئا و غير عادل. ففي حقبة التسعينيات وبداية الألفية تركزت الممارسات على العطاء الخيري والشراكة مع المؤسسات الحكومية أو الملكية والجمعيات الخيرية. وفي كثير من الحالات، لم تكن تلك الأنشطة مدفوعة بالرغبة في سن استراتيجية المسؤولية الاجتماعية للشركات، بل كانت نتيجة حتمية جوهرية وثقافية لإعطاء الصدقات والضغط لتبقى على جانب النخبة السياسية الذي يمكن لهم أن يجعلوا و- وبكل سهولة - الأنشطة التجارية أصعب إذا رغبوا في ذلك.
لقد تغيرت كل تلك الأمور حاليا، فقد ظهر مغزى جديد في البرامج المبنية على أساس المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال انتشار الشركات النفطية الكبيرة والبنوك و شركات الإتصالات، في مجالات التعليم و محو الأمية و الحماية البيئية و حتى في الشفافية الحكومية. وقد شهدنا إعادة في طرح مفهومCSR حيث أن نجاح الشركات و نجاح المجتمع لا ينظر إليهما بشكل حصري، بل على أنهما مرتبطان و مكملان لبعضهما.
بالإضافة إلى ذلك، فقد دفع الدعم من قبل الموظفين و الجمهور باتجاه تلك الأنشطة. ففي المسح الذي تم القيام به عام 2013 أظهرت النتائج أن 90% من أصحاب المهن شعروا بأنه يوجد لدى قطاع الشركات في منطقة "وانا" مسؤولية أخلاقية للدخول في CSR، و أن 95% رأوا أنه من المهم جدا لشركاتهم أن تكون مسؤولة اجتماعيا. و اللافت للإنتباه، أن 73% من أصحاب المهن في المنطقة يفضلون التطوع بوقتهم و جهدهم، مقابل 27% يفضلون التبرع بالمال. بشكل أوضح، هناك دعم و إرادة لدعم مبادرات CSR.
إذا، كيف يمكن لكل ذلك أن يتناسب مع أهداف التنمية المستدامة؟ نحن نعلم أنه من شروط نجاح مبادرات التنمية هو أن تكون متعددة القطاعات و التخصصات. وتؤدي الجهود المشتركة إلى قدرة أكبر في التأثير على التغيير، و تؤدي الشبكات الأقوى بين المجتمع المدني و الشعب و القطاع الخاص إلى وجود أثر أكبر.
يمكن لقطاع الشركات أن يكون الآلية الضرورية لإحباط دورات التهميش و الفقر في منطقة "وانا". كما أنه يمكن للقطاع الخاص أن يوفر المصادر المالية و الحلول التقنية و أحيانا تمكين الناس لتنفيذ حلول التنمية المختبرة و المبنية على الأدلة، من خلال الشراكة مع وكالات التنمية الثابتة و القوية و التي لها تاريخ طويل في خبرة البرامج. بالإضافة إلى أنه يمكن لقطاع التنمية أن يستفيد و بشكل كبير من المشاركة في بعض الأعمال التجارية و الفلسفة التي تدعم منظمات القطاع الخاص الناجحة. يوجد لدى بعض البرامج الإبتكارية التابعة لبرامح CSR ميزانية مخصصة لتوفير تدريب للطاقم غير الهادف للربح لرفع مستوى المهارات لديهم، حول كل شيء ابتداءا من محو الأمية الحاسوبية إلى مبادئ الإدارة.
و الأهم من ذلك، يجب على تلك المبادرات أن تتناول تحديات التنمية المهمة ذات الصلة. وببساطة لا يمكن لعملية الدعم المالي للمدارس و المستشفيات أن تحلها. بل تحتاج استراتيجيات CSR أن تستهدف بعض القضايا الجدلية مثل تمكين المرأة، و الحوكمة الجيدة، و الوصول إلى العدالة، و حماية حقوق العمال.
نعم، قد يضع ذلك الشركات في مأزق المخاطر مع دوائر علاقتهم العامة و سوف يخسرون المصلحة السياسية. و لكن هناك العديد من الطرق و الوسائل التي يمكن من خلالها تناول تلك القضايا دون معاداة واضحة أو مدمرة لهدف الشركة الرئيسي.
على سبيل المثال، يوجد مبادرات محددة لجذب المزيد من الإناث للقوى العاملة من خلال برامج صقل المهارات، وحملات التوظيف المستهدفة، وحملات التوعية، ونسب النوع الاجتماعي ووضع نماذج يحتذى بها من كبار سيدات الأعمال الرائدات، فكل ذلك يعتبر وسيلة يمكن أن تبدأ الشركات بها لتغيير انخفاض معدلات مشاركة القوى العاملة النسائية ، بينما في نفس الوقت تعمل على بناء استراتيجيات تمكين المرأة الموجودة من قبل.
لقد سيطرت الشركات متعددة الجنسيات على سوق CSR في منطقة "وانا" مثل مايكروسوفت و غوغل، من خلال التبرع بوقت الطاقم و أدوات البرمجة للمساعدة على بناء منصات انتخاب إلكترونية وأنظمة إدارة اللاجئين بالشراكة مع الحكومات. لقد آن الآوان للشركات الصغيرة و المتوسطة لتتقدم خطوة للأمام لتبدأ بتحمل جزء من العبء أيضا، خاصة بعدما أظهرت نتائج البحوث أنه يوجد لدى البرامج المبنية على أساس الاحتياجات المحلية فرصة أكبر للقبول و التنفيذ على أرض الواقع بدلا من أن ينظر إليها على أنها تدخل إمبيريالي أو محاولات "تغريب" المنطقة.
خذ منطقة جبل النظيف مثال، و هي منطقة واقعة شرق عمان، فهي موطن العديد من اللاجئين و لكنها لا تصنف مخيما للاجئين. "رواد" هو اسم منظمة غير ربحية ممولة من شركات محلية مثل أراميكس و بنك القاهرة عمان، بدأت بالعمل مع المجتمع لتطوير برامج متصلة بالتعليم و الحوكمة و الصحة. إن أخذ الوقت للقيام بتحليل معمق للوضع لتحديد الاحتياجات الفعلية للمجتمع (استغرق 12ذلك شهرا) يعني أن البرامج التي وضعت تتماشى مع ما يريده المجتمع ويحتاج إليه، كان ناجحا إلى حد كبير. ويظهر ذلك أن CSR تصل إلى ما هو أبعد من دائرة التسويق، فهي برمجة قائمة على الأدلة ومعدة بشكل جيد.
هل من المنطق توقع أن تكون الأعمال التجارية بمثابة صانعة التغيير الإجتماعي بغض النظر عن المثبطات الإقتصادية أو أي ردود فعل سياسية عكسية؟ نعم بالتأكيد، فلا بد للأعمال التجارية أن تدرك اختلال العدل في توزيع الثروة والحقوق والمصادر في منطقة "وانا" أدى إلى ظهور نتائج كلفت المجتمعات بشكل كبير جدا، و التي استطاعت أن تؤثر عليهم في نهاية المطاف على بشكل مباشر. عليك فقط أن تلقي نظرة على طبيعة تأثر تلك الأعمال سلبا، و منها ما زال حتى الآن يمر بظروف تقطع مسارات الشحن الجوي و أعمال التخريب و المقاطعة و إلغاء الإستثمار الدولي، لتعرف أن المجتمع الآمن و الذي يحظى بالسلام مجتمع حيوي ليكون فيه اقتصادا مزدهر.
لا يقع العبء فقط على عاتق القطاع الخاص، بل لا بد للحكومات أن تلعب دورا مهما. حتى ينجح نهج CSR لا بد من وجود قطاع خاص مزدهر أو على الأقل عامل. و لا يمكن لذلك القطاع الإعتماد على الأقتصاد غير المباشر و السوق السوداء، ولا يمكن أن يكون محاطا بالفساد و التدخل الحكومي.
لم تكن حالة CSR في مطقة "وانا" ضرورية كما هي الآن. فمع تغير الشعور العام، مصحوبا بموجة ثابتة قوية في النشاط الإجتماعي و التطوع، يأتي وقت الاستفادة من المصادر المالية الكبيرة و المصادر الأخرى التي يمكن توفيرها من خلال القطاع الخاص و يمكن البدء ببناء المزيد من برامج التنمية المستدامة و التعاونية. وقد تتوفر فرصة النجاح لأهداف التنمية المستدامة إذا رأينا شراكات متعددة القطاعات بشكل أكبر.