ها هو الجدل يعود إلى الساحة الاردنية مرة أخرى وهذه المرة عبر مشروع قانون الأسلحة والذخائر الجديد المنتظر إقراره في الدورة الاستثنائية القادمة لمجلس النواب. تقضي أبرز بنود مشروع القانون الجديد في حصر التعامل بالأسلحة والذخائر فقط بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والعاملين في القطاع الحكومي، مع وجود نقاط تمنع أي تعامل بحمل وبيع واستيراد أي نوع من بنادق الصيد ذات مخازن الذخيرة الثابتة أو المتحركة. بالإضافة لذلك، يقضي مشروع القانون بسحب الأسلحة المرخصة وغير المرخصة من أيدي المواطنين خلال ستة أشهر من تاريخ إقراره ونشره في الجريدة الرسمية.
نتيجة لهذا التحول، ظهر جدال كبير في الأوساط الأردنية بين مؤيد ومعارض لهذا المشروع، وقد امتد سباق التصريحات المتضادة ليشمل كبار المسؤولين السابقين العسكرين والمدنيين، بالإضافة إلى شيوخ العشائر الأردنية التي شكلت جزءاً مهما من تاريخ الدولة الأردنية الحديث ومثلت أحد أبرز عناصر قيام الدولة بشكلها الحالي الممتزج بين مدنية الدولة والنظام العشائري واسع الحضور.
يدعم مؤيدو المشروع هذا القرار من منطلق ومبدأ سيادة القانون، باعتبار المملكة الأردنية الهاشمية دولة مؤسسات وقانون حيث إن السلاح الوحيد الممكن توفره فيها هو سلاح الدولة الأردنية. يستند أيضا هذا المنظور على نسب الجرائم، حيث إن المجتمع الأردني يتسم باستقرار نسبي أعلى بين شعوب المنطقة، إلا أن عدد الأسلحة الكبير والمجهول والمنتشر بين المواطنين والذي زاد بنسبة كبيرة بسبب التهريب بعد الأزمة السورية قد ساهم بشكل ملحوظ بازدياد أعداد الوفيات والإصابات في أعراس وأفراح الأردنيين، بالإضافة إلى الحوادث الناجمة عن المشاجرات وأعمال الشغب، وقد استدعى تفاقم المشاكل الناجمة عن الاستخدام الخاطئ للأسلحة توجيهات جلالة الملك شخصيا للتخفيف من هذه الظاهرة. ومن الجدير بالذكر أن نسبة الذين يستعملون السلاح حسب الإحصاءات يشكلون 10 بالمئة من العدد الكلي لحاملي السلاح. ووفقاً لتجار أسلحة مرخصين ذوي باعٍ طويل في تجارة الأسلحة، فإنه يوجد في السوق السوداء وبين أيدي المواطنين عدد هائل من الأسلحة التي انتهى عمرها الافتراضي، كما قد تغيرت طريقة تصنيعها ومواصفاتها في بلاد مجاورة دون أن يتم تحديثها ضمن المواصفات العالمية مما يشكل خطرا كبيرا على حامليها.
أما من منظور المعارضة لهذا المشروع، فيرى المعارضون أن توقيت هذا القانون قد يكون له ارتباطات بما يعرف "بصفقة القرن" وأثرها الكبير على الأردن، باعتبار أن هذا السلاح كان الرديف والمساند للجيش الأردني وله دور تاريخي في الدفاع عن الهوية الأردنية، كما أن حمل السلاح هو جزء من العادات التي ارتبطت بالآباء والأجداد، وهذا الارتباط أتى من جذور الماضي الذي كان مرتبطا بالوجاهة والفخار وبأسلوب الحياة السائد في ذلك الزمان. لذا فإن عملية سحب السلاح ستكون في مواجهة قيم مرتبطة بشكل كبير بالعادات والتقاليد والماضي. ويعتقد المعارضون أن التشديد يجب أن يكون على من يستعمل هذا السلاح بطريقة خاطئة.
ولأن معرفة الخلل هو الأساس الجذري لحل أي مشكلة؛ لذلك يجب على الحكومة ممثلةً بأجهزتها إجراء دراسات وافية لفهم أسباب الاستعمالات الخاطئة للسلاح الناري خلال الأعوام الماضية. إذ إن هذه الدراسات هي السبيل الأمثل لإيجاد آلية مناسبة وذكية لجمع أو ترخيص الأسلحة، كما أن هذه الدراسات تسهل على الحكومة تنفيذ وقيادة هذا المشروع الضخم إلى بر الأمان عبر خارطة طريق تساهم في عدم الدخول وخوض الصراعات الكبيرة التي ستتشكل بين الأطراف المتداخلة، وبالتزامن مع اقتراب جلسات البرلمان الخاصة بإقرار القانون لا زال الجدال الدائر مستمراً وإلى الآن لم تصدر أي آلية واضحة من الحكومة حول كيفية جمع هذه الأسلحة، كما تبدو الحكومة في حالة افتقار للأدوات المالية واللوجستية والقضائية لإنفاذ القانون المقترح وتجنب صدام متوقع مع العشائر الأردنية.
ومع وجود مؤشرات واضحة بأن نسبة ليست بالقليلة من الاعتراضات على المشروع مرتبطة مباشرة بفقدان الثقة بين المواطنين والحكومة، فإنه من الواضح أن عدم سير الأمور كما هو مخطط لها في حال بدء تنفيذ مشروع بهذا الحجم سيكون له عواقب وخيمة في مختلف النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية، قد تفوق المنافع المترتبة على المشروع. هل سنشهد استخدام القوة نظرا لعدم تقبل بعض المواطنين تسليم أسلحتهم خصوصا غير المرخصة بسهولة؟ وهل من الممكن أن يؤدي المشروع إلى ردة فعل عكسية تشمل اندلاع أعمال شغب غير محبذة في الأيام القادمة؟ إن حدث ذلك فمن المحتمل أن يتم استغلال هذه الأحداث من قبل بعض الخارجين عن القانون وتجار المخدرات أو الجماعات الإرهابية على سبيل المثال. حيث إنه من المعروف وفق تصريحات جنرالات أمنيين سابقين بأن معظم قضايا المخدرات والجماعات الإرهابية مرتبطة بقضايا أسلحة تم شراؤها وتبادلها في السوق المحلي. مما يجعلنا نتساءل:
ما هو سر طرح هذا المشروع بهذا الشكل المفاجئ بكل ما يحمله من إشكاليات؟ لماذا الآن؟