بمجرد ظهور علامات الإعاقة على الأطفال حديثي الولادة، يظن البعض أنّ مرحلة معاناتهم أبدية، مع أنّ الإعاقات بحد ذاتها لا تُشكل سبباً أو عائقاً أمام فعالية وإنتاجية الأشخاص من ذوي الإعاقة في حال توفرت لهم برامج وخدمات التدخل المبكر المُتفق على أهميتها دولياً.
يغفل الكثير من أهالي الأطفال من ذوي الإعاقة عن برامج في غاية الأهمية يُطلق عليها برامج التدخل المُبكر، والتي تُعرف: «دعم متخصص للأطفال من ذوي الإعاقة أو التوحد أو غيرها من الاحتياجات الإضافية بما في ذلك التأخر في النمو، ويجب أن يحدث التدخل المبكر في أقرب وقت ممكن بعد تحديد احتياجات الطفل، عن طريق برامج متخصصة تُقدم للأطفال وأسرهم منذ الولادة وحتى عمر السادسة». هذه البرامج بِدَورها تُساهم في خلق بيئة آمنة تُساعد في تحسين وتعزيز الممارسات الإيجابية لتنشئة الأطفال من ذوي الإعاقة في السنوات المبكرة من عمرهم، إضافةً الى تنمية الجوانب المعرفية والعقلية والحركية والاجتماعية للطفل من خلال تقديم خدمات متنوعة ما بین: (تربوية، وأكادیمیة، واجتماعية، وبیئیة، وخدمات مساندة، وعلاج طبیعي، وعلاج وظيفي، ونطق، وتربية خاصة، وإرشاد فردي وجماعي، وتقديم المشورة التي یحتاجھا الطفل وأسرته)؛ ما يُساهم في تنشأة الطفل بشكلٍ سليم داخل مجتمعه وأسرته، والتخفيف من الفروق الفردية مع أقرانهم. التدخل المُبكر يستند في تحقيق أهدافه الى اتباع منهجية مُعتمدة تُراعي الفروق الفردية للأطفال والتنوع الثقافي والبيئي بين الأسر وبأساليب ملائمة لتطور الأطفال، تُقدم من خلال فريق عابر للتخصصات يُطلق عليهم اخصائي التدخل المُبكر، هذه المنهجية يُطلق عليها مفهوم «برامج التدخل المُبكر».
الواقع في الأردن:
في الأردن، صدر نظام مراكز الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 40 لسنة 2014 بموجب الفقرة 3 من المادة 4 من قانون وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتعديلاته رقم 14 لسنة 1956، والذي يُشكل نظاماً كاملاً في إنشاء وتنظيم عمل مراكز التدخل المبكر والعاملين فيها، وتحديد آليات الإشراف والرقابة والتفتيش. كما أكد قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لعام 2017 في المادة رقم (29) بضمان توفير برامج القدرات المهاراتية والاجتماعية وتوفير خدمات التأهيل النفسي والجسدي والاجتماعي، وتوفير برامج التدخل المبكر وترخيصها وفقاً لتعليمات يُصدرها وزير التنمية الاجتماعية لهذه الغاية، وتوفرها في مناطق قريبة من أماكن إقامة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم وتيسير وصولهم إليها. الى جانب، توفير برامج تطوير القدرات المهاراتية والاجتماعية لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة وتدريبهم على كيفية الوصول الى الخدمات المُتاحة وأساليب الرعاية الصحية؛ لأهمية ذلك في الكشف عن الإعاقة والتدخل المُبكر في ذلك. يعتمد الأردن على برنامجين للتدخل المُبكر، البرنامج الأول هو «بورتيج» وهو برنامج شامل لجميع أشكال الإعاقات، وبرنامج «فيزا» وهو برنامج متخصص للإعاقة البصرية، بالإضافة الى هذه البرامج يتم تقديم خدمات مُساندة مثل: العلاج الوظيفي والطبيعي. لكن واستنادًا الى نتائج ورقة سياسات حول برامج التدخل للأشخاص من ذوي الإعاقة في محافظة الزرقاء قام بإعدادها قسم العدالة الاجتماعية في معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا (WANA)، أظهرت الورقة على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة الأردنية في تحسين واقع خدمات التدخل المبكر، ما يزال هناك انخفاض واضح في أعداد مراكز التدخل المُبكر في الأردن وبشكلٍ لا يُلبي ولا يتناسب مع أعداد وطبيعة الاحتياجات وأماكن سكن الأطفال من ذوي الإعاقة وأهاليهم. كما أظهرت الورقة تحدياتٍ عدة تعيق تطبيق برامج التدخل المُبكر بشكلٍ فعال، منها:
1) ضعف قُدرة الجهات المعنية التي تقدم خدمات التدخل المُبكر الى الوصول للأهالي وأطفالهم من ذوي الإعاقة؛ لعدم وجود قاعدة بيانات شاملة عن الأشخاص ذوي الإعاقة.
2) عدم معرفة بعض الأهالي بخدمة التدخل المُبكر والجهات التي تُقدمها.
3) الكوادر العاملة في خدمة التدخل المبكر بحاجة الى المزيد من الخبرة والمهارة والكفاءة الكافية.
4) التكلفة المالية العالية المُترتبة على الأهالي سواء في المواصلات أو تكلفة سعر الأجهزة المساندة لأطفالهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
المُضي قُدُماً:
تكمُن أهمية برامج التدخل المُبكر بشموليتها لجميع أشكال الإعاقات دون تمييز، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الأطفال من ذوي الإعاقة وأسرهم وعلى المجتمع ككل، فذلك يتطلب بذل المزيد من الجهود الوطنية والمؤسساتية نحو مراكز وخدمات التدخل المُبكر، وعليه لا بد من: 1) مسح كمي لعدد الأطفال من ذوي الإعاقة وتحديد أماكن سكنهم. 2) العمل على إنشاء مراكز تدخل مُبكر جديدة تتناسب مع أعداد الأطفال من ذوي الإعاقة في كل منطقة. 3) رفع الوعي المجتمعي بأهمية برامج التدخل المُبكر ورفع الوعي بأماكن تواجد مراكز التدخل المُبكر ضمن الأطر الجغرافية القريبة من سكنهم. 4) العمل على تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في مراكز التدخل المُبكر بشكلٍ دوري. 5) العمل على تطبيق المزيد من برامج التدخل المُبكر في الأردن؛ والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في ذلك.
https://alghad.com/%d8%b1%d8%ba%d9%85-%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%...